08 - 05 - 2025

هل يهتم نظام الحكم بترسيخ الفضيلة أم الرذيلة؟  

هل يهتم نظام الحكم بترسيخ الفضيلة أم الرذيلة؟  

من خلال علاقاتى بأفراد عائلتى أو الجيران أو الأصدقاء، علمتُ أنّ معظم الشباب (من الجنسيْن) غيرمُـتحمسين للزواج.. والأكثر فداحة ما سمعته من كثيرين وملخصه: هوّ أنا قادر أصرف على نفسى لما أصرف على زوجة وأولاد. 

وقال آخر إذا كان راتبى لا يصمد حتى نهاية الشهر، علمـًـا بأننى لا أدخن ولا أجلس على المقهى.. وقال ثالث: ليس فى مقدرتى شراء شقة تمليك.. والبديل شقة إيجار..وإذا كان مبلغ الإيجار أكثرمن راتبى أوـ على الأقل ـ سيبتلع معظم الراتب، فكيف أظلم معى إنسانة بالزواج منها؟  

وإذا تجاوزنا موضوع الشقة، فإنّ العقبة الثانية (فرش الشقة) والأسعارالخرافية التى سمعتها من الشباب أو من أولياء الأمور..وقد ضاعف من هذه العقبة أنّ معظم الشباب ـ خاصة الفتيات ـ مع ضرورة الالتزام بثلاث غرف وكافة الأجهزة الكهربائية، بل إننى سمعتُ فى حوار عائلى: إصرارالفتاة على التكييف و(شاشة التليفزيون) فى رفض قاطع للتليفزيون التقليدى الذى أصبح (موضه قديمة)  

وذهب ظنى أنّ هؤلاء الشباب معهم (العذر) ومعهم الحيثيات التى يـُـدافعون بها عن مطالبهم: - أول الحيثيات، المناخ العام الذى أفرز ظاهرة "التقليد" أى أنّ كل فتاة وكل فتى ينظران إلى من فى مستواهما الاجتماعى.. وبالتالى فإنّ شقة الزواج لابد أنْ تكون فى نفس مستوى شقة فلان أو شقة فلانة، بغض النظرعن ظروف كل عائلة، حيث شاع فى السنوات الأخيرة "مساعدة الأب أوالأم للابن" ومع ملاحظة أنه فى فترة "جيلى من العواجيزأمثالى" كانت مساعدة الأب فى جهاز ابنته فقط ، بل جيلى لم يكن ينتظر مساعدة الأهالى. 

الفقرة السابقة تــُـحتم فرض سؤال: كيف جاءتْ ظاهرة المناخ العام؟ أعتقد أنّ الجهاز الذى سيطرعلى تفكير معظم المواطنين (فقراء وأغنياء) هوالسبب: أى التليفزيون الذى صار "الأفيون الجديد" وأخذ شكل الإدمان.. والمشكلة ليست فى التليفزيون كجهاز، وإنما فى المادة المعروضة وتلك المادة هى التى أشعلتْ نار "تقليد الآخرين"، ومن أين جاءت تلك النار؟ من المسلسلات التافهة التى تدور فى الفلل والقصور.. وحتى الشقق فى المسلسلات هى أقرب إلى الفيلا، ثـمّ جاءتْ النار الثانية من الإعلانات التى تعرضها محلات الموبيليا أو شركات الأجهزة الكهربائية أوالشركات التى تبيع الشقق.. إلخ. 

***

أعتقد أنّ ما ذكرته معلوم لدى شعبنا ـ أما أعضاء النظام الحاكم ـ ومنذ زمن الانفتاح الاقتصادى ـ والسفن الأمريكية التي (سوف) تأتى إلى شواطىء مصر محملة بالخيرات.. كما دأب الإعلام على الترويج لتلك الخدعة.. وإذا كان ذلك فى السبعينيات فإنّ الظاهرة تمـدّدت كالسرطان فى الجسد المصرى، إلى أنّ وصلنا للحظة الراهنة، لحظة السرطان الذى صار يـُـهـدّد مجتمعنا. 

من بين مظاهر هذا السرطان: انتشار الرذيلة..وأعتقد أنها جاءتْ كنتيجة طبيعية لظاهرة عزوف الشباب عن الزواج.. والسؤال الذى لم يهتم أحد من أعضاء النظام الحاكم بطرحه ـ ولو على نفسه ـ ماذا يفعل الآلاف من الشباب فى حالة عجزهم عن الزواج؟ والسؤال الثانى المُـترتب على الأول: أليس الإشباع العاطفى بين الجنسيْن، والغريزة الجنسية مطالب إنسانية مشروعة؟ مثلها مثل الطعام والشراب.. وهنا يتولــّـد السؤال الثالث؟ ما البديل أمام الشباب؟ هل يوجد بديل آخر غير تلبية احتياجات العاطفة والجنس من خارج مؤسسة الزواج؟  

أليست تلك الأسئلة تفرض على الحكومة تكليف الجهات البحثية (المركزالقومى للبحوث الاجتماعية والجنائية وغيره) بدراسة وضع الشباب العازف عن الزواج؟ ولماذا لا ينزل الباحثون الاجتماعيون إلى الأحياء الشعبية ـ بصفة خاصةـ ومعهم استمارات استبيان.. وفيها أسئلة مكتوبة بذكاء وحنكة وفق علم الاجتماع.. حول الزواج ونسبته فى كل حارة وشارع داخل الحى المقصود.. وهذا البحث لابد أنْ يتجاور معه بحث ميدانى آخر مع السجينات فى قضايا الدعارة.. بهدف الكشف عن الأصول الاجتماعية لكل فتاة أو سيدة لجأت لبيع جسدها..ومن هم الزبائن؟  

أليس ذلك البحث الميدانى سوف يلقى بعض الضوء فى ذلك النفق المُـعتم.. والذى يتجاهله المسئولون عن شعبنا؟ وهل تجاهل الظاهرة يعنى أنها ليست موجودة؟ كما فى حالة الأعمى أو المُـبصر الذى أغمض عينيه، فهذا لايعنى عدم وجود الشجرة كما علــّـمتنا الفلسفة المادية. 

أليس السكوت على ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج، سوف يؤدى إلى انتشار شتى مظاهرالرذيلة؟ التى تؤدى بدورها إلى ارتفاع معدلات الانحطاط الأخلاقى؟ فهل من مصلحة نظام الحكم ترك الرذيلة تتمـدّد فى جسد مجتمعنا المصرى؟ أم أنّ من مصلحته ترسيخ وتعميق كل معانى الفضيلة؟ 

***

هامش حتمى: أدلى مسئولون ـ أكثرمن مرة ـ بتصريحات عن اكتشاف مناجم جديدة للذهب.. وبالرغم من ذلك فإنّ الشاب لايستطيع شراء شبكة العروسة، بعد أنْ وصل سعرالجرام عيار21، وهوالمُـحبب لدى الأسر المصرية، إلى 630 جنيهـًـا.. فلو افترضنا إنّ أقل شبكة من عشرة جرامات فمعنى ذلك مطلوب من العريس مبلغ  6300 جنيه بخلاف ثمن الدبلتيْن.

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟